فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ويقولون متى هذا الْوعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِين (25)} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال أبو مسلم إنه تعالى قال: يقول بلفظ المستقبل فهذا يحتمل ما يوجد من الكفار من هذا القول في المستقبل، ويحتمل الماضي، والتقدير: فكانوا يقولون هذا الوعد.
المسألة الثانية:
لعلهم كانوا يقولون ذلك على سبيل السخرية، ولعلهم كانوا يقولونها إبهاما للضعفة أنه لما لم يتعجل فلا أصل له.
المسألة الثالثة:
الوعد المسؤول عنه ما هو؟ فيه وجهان أحدهما: أنه القيامة والثاني: أنه مطلق العذاب، وفائدة هذا الاختلاف تظهر بعد ذلك إن شاء الله.
ثم أجاب الله عن هذا السؤال بقوله تعالى: {قُلْ إِنّما الْعِلْمُ عِنْد اللّهِ وإِنّما أنا نذِيرٌ مُبِينٌ (26)}
والمراد أن العلم بالوقوع غير العلم بوقت الوقوع، فالعلم الأول حاصل عندي، وهو كاف في الإنذار والتحذير، أما العلم الثاني فليس إلا لله، ولا حاجة في كوني نذيرا مبينا إليه.
{فلمّا رأوْهُ زُلْفة سِيئتْ وُجُوهُ الّذِين كفرُوا وقِيل هذا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تدّعُون (27)}
ثم إنه تعالى بين حالهم عند نزول ذلك الوعد فقال تعالى: {فلمّا رأوْهُ زُلْفة سِيئتْ وُجُوهُ الذين كفرُواْ} وفيه مسائل:
المسألة لأولى: قوله: {فلمّا رأوْهُ} الضمير للوعد، والزلفة القرب والتقدير: فلما رأوه قربا ويحتمل أنه لما اشتد قربه، جعل كأنه في نفس القرب.
وقال الحسن: معاينة، وهذا معنى وليس بتفسير، وذلك لأن ما قرب من الإنسان رآه معاينة.
المسألة الثانية:
قوله: {سِيئتْ وُجُوهُ الذين كفرُواْ} قال ابن عباس: اسودت وعلتها الكآبة والقترة، وقال الزجاج: تبين فيها السوء، وأصل السوء القبح، والسيئة ضد الحسنة، يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح، وسيئ يساء إذا قبح، وهو فعل لازم ومتعد فمعنى سيئت وجوههم قبحت بأن علتها الكآبة وغشيها الكسوف والقترة وكلحوا، وصارت وجوههم كوجه من يقاد إلى القتل.
المسألة الثالثة:
اعلم أن قوله: {فلمّا رأوْهُ زُلْفة} إخبار عن الماضي، فمن حل الوعد في قوله: {ويقولون متى هذا الوعد} [الملك: 25] على مطلق العذاب سهل تفسير الآية على قوله فلهذا قال أبو مسلم في قوله: {فلمّا رأوْهُ زُلْفة} يعني أنه لما أتاهم عذاب الله المهلك لهم كالذي نزل بعاد وثمود سيئت وجوههم عند قربه منهم، وأما من فسر ذلك الوعد بالقيامة كان قوله: {فلمّا رأوْهُ زُلْفة} معناه فمتى ما رأوه زلفة، وذلك لأن قوله: {فلمّا رأوْهُ زُلْفة} إخبار عن الماضي وأحوال القيامة مستقبلة لا ماضية فوجب تفسير اللفظ بما قلناه، قال مقاتل: {فلمّا رأوْهُ زُلْفة} أي لما رأوا العذاب في الآخر قريبا.
وأما قوله تعالى: {وقِيل هذا الذي كُنتُم بِهِ تدّعُون} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال بعضهم: القائلون هم الزبانية، وقال آخرون: بل يقول بعضهم لبعض ذلك.
المسألة الثانية:
في قوله: {تدْعُون} وجوه: أحدها: قال الفراء: يريد تدعون من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون به، وتدعون وتدعون واحد في اللغة مثل تذكرون وتذكرون وتدخرون وتدخرون وثانيها: أنه من الدعوى معناه: هذا الذي كنتم تبطلونه أي تدعون أنه باطل لا يأتيكم أو هذا الذي كنتم بسببه وتدعون أنكم لا تبعثون وثالثها: أن يكون هذا استفهاما على سبيل الإنكار، والمعنى أهذا الذي تدعون، لا بل كنتم تدعون عدمه.
المسألة الثالثة:
قرأ يعقوب الحضرمي {تدْعُون} خفيفة من الدعاء، وقرأ السبعة {تدّعُون} مثقلة من الادعاء.
{قُلْ أرأيْتُمْ إِنْ أهْلكنِي اللّهُ ومنْ معِي أوْ رحِمنا فمنْ يُجِيرُ الْكافِرِين مِنْ عذابٍ ألِيمٍ (28)}
اعلم أن هذا الجواب هو من النوع الثاني مما قاله الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلم حين خوفهم بعذاب الله، يروى أن كفار مكة كانوا يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك، كما قال تعالى: {أمْ يقولون شاعِرٌ نّتربّصُ بِهِ ريْب المنون} [الطور: 30] وقال: {بلْ ظننْتُمْ أن لّن ينقلِب الرسول والمؤمنون إلى أهْلِيهِمْ أبدا} [الفتح: 12] ثم إنه تعالى أجاب عن ذلك من وجهين الوجه الأول: هو هذه الآية، والمعنى قل لهم: إن الله تعالى سواء أهلكني بالإماتة أو رحمني بتأخير الأجل، فأي راحة لكم في ذلك، وأي منفعة لكم فيه، ومن الذي يجيركم من عذاب الله إذا نزل بكم، أتظنون أن الأصنام تجيركم أو غيرها، فإذا علمتم أن لا مجير لكم فهلا تمسكتم بما يخلصكم من العذاب وهو العلم بالتوحيد والنبوة والبعث.
الوجه الثاني: في الجواب قوله تعالى: {قُلْ هُو الرّحْمنُ آمنّا بِهِ وعليْهِ توكّلْنا فستعْلمُون منْ هُو فِي ضلالٍ مُبِينٍ (29)}
والمعنى أنه الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فيعلم أنه لا يقبل دعاءكم وأنتم أهل الكفر والعناد في حقنا، مع أنا آمنا به ولم نكفر به كما كفرتم، ثم قال: {وعليْهِ توكّلْنا} لا على غيره كما فعلتم أنتم حيث توكلتم على رجالكم وأموالكم، وقرئ {فستعْلمُون} على المخاطبة، وقرئ بالياء ليكون على وفق قوله: {فمن يُجِيرُ الكافرين} [الملك: 28].
واعلم أنه لما ذكر أنه يجب أن يتوكل عليه لا على غيره، ذكر الدليل عليه.
{قُلْ أرأيْتُمْ إِنْ أصْبح ماؤُكُمْ غوْرا فمنْ يأْتِيكُمْ بِماءٍ معِينٍ (30)}
والمقصود أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر، أي أخبروني إن صار ماؤكم ذاهبا في الأرض فمن يأتيكم بماء معين، فلابد وأن يقولوا: هو الله، فيقال لهم حينئذ: فلم تجعلون من لا يقدر على شيء أصلا شريكا له في المعبودية؟ وهو كقوله: {أفرءيْتُمُ الماء الذي تشْربُون أنزلْتُمُوهُ مِن المزن أمْ نحْنُ المنزلون} [الواقعة: 68، 69] وقوله: {غوْرا} أي غائرا ذاهبا في الأرض يقال: غار الماء يغور غورا، إذا نضب وذهب في الأرض، والغور هاهنا بمعنى الغائر سمي بالمصدر كما يقال: رجل عدل ورضا، والمعين الظاهر الذي تراه العيون فهو من مفعول العين كمبيع، وقيل: المعين الجاري من العيون من الإمعان في الجري كأنه قيل: ممعن في الجري، والله سبحانه وتعالى أعلم،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.

.قال القرطبي:

{ويقولون متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادِقِين} أي متى يوم القيامة! ومتى هذا العذاب الذي تعِدوننا به! وهذا استهزاء منهم.
وقد تقدّم.
قوله تعالى: {قُلْ إِنّما العلم عِنْد الله} أي قل لهم يا محمد علم وقت قيام الساعة عند الله؛ فلا يعلمه غيره، نظيره: {قُلْ إِنّما عِلْمُها عِنْد ربِّي} [الأعراف: 187] الآية.
{وإِنّمآ أناْ نذِيرٌ مُّبِينٌ} أي مخوّف ومعلم لكم.
قوله تعالى: {فلمّا رأوْهُ زُلْفة} مصدر بمعنى مُزْدلفا، أي قريبا؛ قاله مجاهد.
الحسن عِيانا.
وأكثر المفسرين على أن المعنى: فلما رأوه يعني العذاب، وهو عذاب الآخرة.
وقال مجاهد: يعني عذاب بدْر.
وقيل: أي رأوا ما وُعِدوا من الحشر قريبا منهم.
ودلّ عليه {تُحْشرُون}.
وقال ابن عباس: لما رأوا عملهم السّيّئ قريبا.
{سِيئتْ وُجُوهُ الذين كفرُواْ} أي فُعل بها السوء.
وقال الزجاج: تُبُيِّن فيها السوء؛ أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سِمةٌ تدلّ على كفرهم؛ كقوله تعالى: {يوْم تبْيضُّ وُجُوهٌ وتسْودُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106].
وقرأ نافع وابن مُحيْصِن وابن عامر والكسائيّ {سئت} بإشمام الضم.
وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفّة.
ومن ضمّ لاحظ الأصل.
{وقِيل هذا الذي كُنتُم بِهِ تدّعُون} قال الفرّاء: {تدّعُون} تفتعلون من الدعاء؛ وهو قول أكثر العلماء؛ أي تتمنْون وتسألون.
وقال ابن عباس: تكْذِبون؛ وتأويله: هذا الذي كنتم من أجله تدّعون الأباطيل والأحاديث؛ قاله الزجاج.
وقراءة العامة {تدّعون} بالتشديد، وتأويله ما ذكرناه.
وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب {تدْعون} مخففة.
قال قتادة: هو قولهم {ربّنا عجِّل لّنا قِطّنا} [ص: 16] وقال الضحاك: هو قولهم {اللهم إِن كان هذا هُو الحق مِنْ عِندِك فأمْطِرْ عليْنا حِجارة مِّن السماء} [الأنفال: 32] الآية.
وقال أبو العباس: {تدعُون} تستعجلون؛ يقال: دعوت بكذا إذا طلبته؛ وادعيت افتعلت منه.
النحاس: {تدّعُون} {وتدْعُون} بمعنى واحد؛ كما يقال: قدر واقتدر، وعدى واعتدى؛ إلا أن في (افتعل) معنى شيء بعد شيء، و(فعل) يقع على القليل والكثير.
قوله تعالى: {قُلْ أرأيْتُمْ إِنْ أهْلكنِي الله} أي قل لهم يا محمد يريد مشركي مكة، وكانوا يتمنّوْن موت محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: {أمْ يقولون شاعِرٌ نّتربّصُ بِهِ ريْب المنون} [الطور: 30]: أرأيتم إن مِتْنا أو رُحِمْنا فأخِّرت آجالُنا فمن يجيركم من عذاب الله؛ فلا حاجة بكم إلى التربّص بنا ولا إلى استعجال قيام الساعة.
وأسكن الياء في {أهلكني} ابن مُحيْصِن والْمُسيّبي وشيبة والأعمش وحمزة.
وفتحها الباقون.
وكلهم فتح الياء في {ومنْ معي} إلا أهل الكوفة فإنهم سكّنوها.
وفتحها حفْص كالجماعة.
قوله تعالى: {قُلْ هُو الرحمن آمنّا بِهِ وعليْهِ توكّلْنا فستعْلمُون} قرأ الكِسائيّ بالياء على الخبر؛ ورواه عن عليّ.
الباقون بالتاء على الخطاب.
وهو تهديد لهم.
ويقال: لم أخّر مفعول {آمنّا} وقدّم مفعول {توكّلْنا} فيقال: لِوُقوع {آمنّا} تعريضا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم.
كأنه قيل: آمنّا ولم نكفر كما كفرتم.
ثم قال: {وعليْهِ توكّلْنا} خصوصا لم نتكّل على ما أنتم متكّلون عليه من رجالكم وأموالكم؛ قاله الزّمخْشرِيّ.
قوله تعالى: {قُلْ أرأيْتُمْ}
يا معشر قريش {إِنْ أصْبح مآؤُكُمْ غوْرا} أي غائِرا ذاهبا في الأرض لا تناله الدلاء.
وكان ماؤهم من بئرين: بئر زمزم وبئر ميمون.
{فمن يأْتِيكُمْ بِماءٍ مّعِينٍ} أي جارٍ؛ قاله قتادة والضحاك.
فلا بدّ لهم من أن يقولوا لا يأتينا به إلا الله؛ فقل لهم لِم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم.
يقال: غار الماء يغُور غورا؛ أي نضب.
والْغوْر: الغائر؛ وُصِف بالمصدر للمبالغة؛ كما تقول: رجل عدْلٌ ورِضا.
وقد مضى في سورة (الكهف) ومضى القول في المعنى في سورة (المؤمنون) والحمد لله.
وعن ابن عباس: {بِماءٍ معِينٍ} أي ظاهر تراه العيون؛ فهو مفعول.
وقيل: هو من معن الماءُ أي كثُر؛ فهو على هذا فعيل.
وعن ابن عباس أيضا: أن المعنى فمن يأتيكم بماء عذْب.
والله أعلم. اهـ.